الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ دَلَالَةٌ عَلَىعَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَكُونُ لِلرَّجُلِ فِيهِ الرَّجْعَةَ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَالْعَدَدُ الَّذِي تَبِينُ بِهِ زَوْجَتُهُ مِنْهُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَهْلَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِهَا لَمْ يَكُنْ لِطَلَاقِهِمْ نِهَايَةٌ تَبِينُ بِالِانْتِهَاءِ إِلَيْهَا امْرَأَتُهُ مِنْهُ مَا رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِذَلِكَ حَدًّا، حَرَّمَ بِانْتِهَاءِ الطَّلَاقِ إِلَيْهِ عَلَى الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْمُطْلَقَةَ، إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَجَعَلَهَا حِينَئِذٍ أَمْلَكَ بِنَفْسِهَا مِنْهُ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ مَا شَاءَ ثُمَّ إِنْ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِّيَ عِدَّتُهَا كَانَتِ امْرَأَتَهُ، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: لَا أَقْرَبُكِ وَلَا تَحِلِّينَ مِنِّي. قَالَتْ لَهُ: كَيْفَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ، حَتَّى إِذَا دَنَا أَجْلُكِ رَاجَعْتُكِ، ثُمَّ أُطَلِّقُكِ، فَإِذَا دَنَا أَجْلُكِ رَاجَعْتُكِ. قَالَ: فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: “ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف). الْآيَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (لَا أُؤَيِّكِ، وَلَا أَدَعُكِ تَحِلِّينَ. فَقَالَتْ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ، فَإِذَا دَنَا مُضِيُّ عِدْتِكِ رَاجَعْتُكِ، فَمَتَى تَحِلِّينَ؟ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ جَدِيدًا، مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّق). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ الثَّلَاثَ وَالْعَشَرَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرَاجِعُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَجَعَلَ اللَّهُ حَدَّ الطَّلَاقِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُ أَحَدَهُمُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا، لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، هِيَ امْرَأَتُهُ مَا رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَجَعَلَ اللَّهُ حَدَّ ذَلِكَ يَصِيرُ إِلَى ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَجَعَلَ حَدَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، قَالَ كَانَ الطَّلَاقُ- قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا- لَيْسَ لَهُ أَمَدٌ يُطَلِّقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِائَةً، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَطَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ، حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تَحِلَّ ارْتَجَعَهَا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِهَا طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ لِيُضَارَّهَا بِتَرْكِهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءٍ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا. وَصَنَعَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ، جَعَلَ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، أَمَّا قَوْلُهُ: “ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ “، فَهُوَ الْمِيقَاتُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهَا فِيهِ الرَّجْعَةَ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قَالَ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَيُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَدَدُ الطَّلَاقِ الَّذِي لَكَمَ أَيُّهَا النَّاسُ فِيهِ عَلَى أَزْوَاجِكُمُ الرَّجْعَةُ إِذَا كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ تَطْلِيقَتَانِ. ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ رَاجَعَ مِنْكُمْ بَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ، إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، لِأَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ إِنْ سَرَّحَهَا فَطَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ سَنَّةَ طَلَاقِهِمْ نِسَاءَهُمْ إِذَا أَرَادُوا طَلَاقَهُنَّ- لَا دَلَالَةَ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قَالَ: يُطَلِّقُهَا بَعْدَ مَا تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ جِمَاعٍ، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إِنْ شَاءَ، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِلَّا تَرَكَهَا حَتَّى تَتِمَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَتَبِينَ مِنْهُ بِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي التَطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ فَيُحْسِنَ صَحَابَتَهَا، أَوْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ فَلَا يَظْلِمَهَا مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، قَالَ: يُطَلِّقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، فَإِذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ فَقَدْ تَمَّ الْقُرْءُ، ثُمَّ يُطَلِّقُ الثَّانِيَةَ كَمَا يُطَلِّقُ الْأُولَى، إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِذَا طَلَّقَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ حَاضَتِ الْحَيْضَةَ الثَّانِيَةَ فَهُمَا تَطْلِيقَتَانِ وَقُرْءَانِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي الثَّالِثَةِ: “ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ “، فَيُطَلِّقُهَا فِي ذَلِكَ الْقُرْءِ كُلِّهِ إِنْ شَاءَ حِينَ تَجْمَعُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ- إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَحَاضَتِ الْحَيْضَةَ الثَّانِيَةَ، كَمَا طَلَّقَ الْأُولَى، فَهَذَانَ تَطْلَيقَتَانِ وَقُرْءَانِ، ثُمَّ قَالَ: الثَّالِثَةُ- وَسَائِرُ الْحَدِيثِ مِثْلُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبَى عَاصِمٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: سَنَّةُ الطَّلَاقِ الَّتِي سَنَنْتُهَا وَأَبَحْتُهَا لَكُمْ إِنْ أَرَدْتُمْ طَلَاقَ نِسَائِكُمْ، أَنْ تُطَلِّقُوهُنَّ ثِنْتَيْنِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً، ثُمَّ الْوَاجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ: إِمَّا أَنْ تُمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تُسَرِّحُوهُنَّ بِإِحْسَانٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ مَا قَالَهُ عُرْوَةُ وقَتَادَةُ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَبُطُولِ الرَّجْعَةِ فِيهِ، وَالَّذِي يَكُونُ فِيهِ الرَّجْعَةُ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَتْلُوهَا: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، فَعَرَّفَ عِبَادَهُ الْقَدْرَ الَّذِي بِهِ تَحْرُمُ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ- وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْوَقْتَ الَّذِي يَجُوزُ الطَّلَاقُ فِيهِ، وَالْوَقْتَ الَّذِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ، فَيَكُونُ مُوَجَّهًا تَأْوِيلُ الْآيَةِ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِمَا فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، فَإِنَّ فِي تَأْوِيلِهِ وَفِيمَا عُنِيَ بِهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى اللَّازِمِ لِلْأَزْوَاجِ الْمُطْلِقَاتِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِمْ إِيَّاهُنَّ مِنَ التَطْلِيقَةِ الثَّانِيَةِ- مِنْ عِشْرَتِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ فِرَاقِهِنَّ بِطَلَاقٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، قَالَ: يَقُولُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: إِمَّا أَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفِ، وَإِمَّا أَنْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانٍ. وَغَيْرُهُ قَالَهَا قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّجُلُ أَمْلَكُ بِامْرَأَتِهِ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ الثَّالِثَةَ فَلَيْسَتْ مِنْهُ بِسَبِيلٍ، وَتَعْتَدُّ لِغَيْرِهِ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ«أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: “ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ “ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: “ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ “ هِيَ الثَّالِثَة). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ قَالَ: (إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان). حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ قَالَ: (التَّسْرِيحُ بِإِحْسَان). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: “ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ “ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) قَالَ: الثَّالِثَةُ: (إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى مَا يُلْزِمُهُمْ لَهُنَّ بَعْدَ التَطْلِيقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُرَاجَعَةٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ، بِتَرْكِ رَجْعَتِهِنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ، فَيَصِرْنَ أَمْلَكَ لِأَنْفُسِهِنَّ. وَأَنْكَرُوا قَوْلَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، إِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُمْسِكَ، وَيُمْسِكُ: يُرَاجِعُ بِمَعْرُوفٍ، وَإِمَّا سَكَتَ عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتَكُونَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَالتَّسْرِيحُ: أَنْ يَدَعَهَا حَتَّى تُمْضِيَ عِدَّتَهَا. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، قَالَ: يَعْنِي تَطْلِيقَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُرَاجَعَةٌ، فَأَمَرَ أَنْ يُمْسِكَ أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانٍ. قَالَ: فَإِنْ هُوَ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، فَإِمْسَاكٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ لَهُنَّ بِإِحْسَانٍ. وَهَذَا مَذْهَبٌ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، لَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِنَا مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، فَبَيِّنٌ أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ: الطَّلَاقُ الَّذِي لِأَزْوَاجِ النِّسَاءِ عَلَى نِسَائِهِمْ فِيهِ الرَّجْعَةُ مَرَّتَانِ. ثُمَّ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا رَاجَعُوهُنَّ فِي الثَّانِيَةِ، إِمَّا إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍٍ، وَإِمَّا تَسْرِيحٌ مِنْهُمْ لَهُنَّ بِإِحْسَانٍ بِالتَطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُمْ، فَيُبْطِلُ مَا كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الرَّجْعَةِ، وَيَصِرْنَ أَمْلَكَ بِأَنْفُسِهِنَّ مِنْهُنَّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ الَّذِي هُوَ بِمَعْرُوفٍ؟ قِيلَ: هُوَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}، قَالَ: الْمَعْرُوفُ: أَنْ يُحْسِنَ صُحْبَتَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ “، قَالَ: لِيَتَّقِ اللَّهَ فِي التَطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ فَيُحْسِنَ صَحَابَتَهَا. فَإِنْ قَالَ: فَمَا التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ؟ قِيلَ: هُوَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، قِيلَ: يُسَرِّحُهَا، وَلَا يَظْلِمُهَا مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، قَالَ: هُوَ الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: “ أَوْ {تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قَالَ: الْإِحْسَانُ: أَنْ يَهَا حَقَّهَا، فَلَا يُؤْذِيهَا، وَلَا يَشْتِمُهَا. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، قَالَ: التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ: أَنْ يَدَعَهَا حَتَّى تُمْضِيَ عِدَّتَهَا، وَيُعْطِيَهَا مَهْرًا إِنْ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ إِذَا طَلَّقَهَا. فَذَلِكَ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، وَالْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} قَالَ قَوْلَهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. فَإِنْ قَالَ: فَمَا الرَّافِعُ لِلْإِمْسَاكِ وَالتَّسْرِيحِ؟ قِيلَ: مَحْذُوفٌ اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَمَعْنَاهُ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، فَالْأَمْرُ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ بِهِ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ مُفَسِّرًا فِي قَوْلِهِ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 178] فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا “ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ نِسَائِكُمْ، إِذَا أَنْتُمْ أَرَدْتُمْ طَلَاقَهُنَّ- لِطَلَاقِكُمْ وَفِرَاقِكُمْ إِيَّاهُنَّ شَيْئًا مِمَّا أَعْطَيْتُمُوهُنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَسُقْتُمْ إِلَيْهِنَّ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ تَسْرِيحُهُنَّ بِإِحْسَانٍ، وَذَلِكَ إِيفَاؤُهُنَّ حُقُوقَهُنَّ مِنَ الصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ “ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: “ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ “، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ مُعْظَمِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ بِمَعْنَى أَلَّا أَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (إِلَّا أَنْ يَظُنَّا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ). حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: فِي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْفِدَاءَ تَطْلِيقَةٌ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَيُّوبَ فَأَتَيْنَا رَجُلًا عِنْدَهُ مُصْحَفٌ قَدِيمٌ لِأُبَيٍّ خَرَجَ مِنْ ثِقَةٍ، فَقَرَأْنَاهُ فَإِذَا فِيهِ: {إِلَّا أَنْ يَظُنَّا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنَّ ظَنَّا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. وَالْعَرَبُ قَدْ تَضَعُ “ الظَّنَّ “ مَوْضِعَ “ الْخَوْفِ “، “ وَالْخَوْفَ “ مَوْضِعَ “ الظَّنِّ “ فِي كَلَامِهَا، لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَتَانِي كَلَامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُولُهُ *** وَمَا خِفْتُ يَا سَلَّامُ أَنَّكَ عَائِبِي بِمَعْنَى: مَا ظَنَنْتُ. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. فَأَمَّا قَارِئُ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَهُ كَذَلِكَ اعْتِبَارًا مِنْهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {إِلَّا أَنْ تَخَافُوا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. وَقِرَاءَةُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، اعْتِبَارًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْهُ خَطَأٌ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ إِنْ كَانَ قَرَأَهُ كَمَا ذُكِرَ عَنْهُ، فَإِنَّمَا أَعْمَلُ الْخَوْفَ فِي “ أَنَّ “ وَحْدَهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ صِحَّتُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرُمَّةٍ *** تُرِّوِي عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا وَلَا تَدْفِنَنِّي بِالْفَلَاةِ فِإِنَّنِي *** أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقُهَا فَأَمَّا قَارِئُهُ: “ إِلَّا أَنْ يَخَافَا “ بِذَلِكَ الْمَعْنَى، فَقَدْ أَعْمَلَ فِي مَتْرُوكَةِ تَسْمِيَتِهِ، وَفِي “ أَنَّ “- فَأَعْمَلَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْمَتْرُوكِ الَّذِي هُوَ اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَفِي “ أَنَّ “ الَّتِي تَنُوبُ عَنْ شَيْئَيْنِ، وَلَا تَقُولُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا: “ ظَنًّا أَنْ يَقُومَا". وَلَكِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحِيحَةٌ، عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَأَهُ مَنْ ذَكَرْنَا قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ، اعْتِبَارًا بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي وَصَفْنَا، وَلَكِنْ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: إِلَّا أَنْ يَخَافَ بِأَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ- أَوْ عَلَى أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي “ أَنَّ “ غَيْرَ “ الْخَوْفِ “، وَيَكُونُ “ الْخَوْفُ “، عَامِلًا فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: “ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ “، فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَخَافُوا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيَّةُ حَالٍ الْحَالُ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، حَتَّى يَجُوزَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ حِينَئِذٍ مِنْهَا مَا آتَاهَا؟ قِيلَ: حَالَ نُشُوزِهَا وَإِظْهَارِهَا لَهُ بِغْضَتَهُ، حَتَّى يَخَافَ عَلَيْهَا تَرْكَ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا لَزِمَهَا لِزَوْجِهَا مِنَ الْحَقِّ، وَيَخَافُ عَلَى زَوْجِهَا- بِتَقْصِيرِهَا فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ لَهُ- تَرَكَهُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ لَهَا عَلَيْهِ. فَذَلِكَ حِينَ الْخَوْفِ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَيُطِيعَاهُ فِيمَا أَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَالْحَالُ الَّتِي أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَخْذُ مَا كَانَ آتَى زَوْجَتَهُ إِذْ نَشَزَتْ عَلَيْهِ، بُغْضًا مِنْهَا لَهُ، كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ أَنَّهُ سَأَلَ عِكْرِمَةَهَلْ كَانَ لِلْخَلْعِ أَصْلٌ؟قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ خَلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ، أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَهُ شَيْءٌ أَبَدًا! إِنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ، فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ، فَإِذَا هُوَ أَشُدُّهُمْ سَوَادًا، وَأَقْصَرُهُمْ قَامَةً، وَأَقْبَحُهُمْ وَجْهًا! قَالَ زَوْجُهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَعْطَيْتُهَا أَفْضَلَ مَالِي! حَدِيقَةً، فَإِنْ رَدَّتْ عَلَى حَدِيقَتِي! قَالَ: “ مَا تَقُولِينَ؟ “ قَالَتْ: نَعَمْوَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ! قَالَ: فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرُو السَّدْوسِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- يَعْنِي ابْنَ أَبِي بَكْرٍ – عَنْ عُمْرَةَ عَنْ عَائِشَة: (أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ فَضَرْبَهَا فَكَسَرَ نُغْضَهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ، فَاشْتَكَتْهُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ثَابِتًا فَقَالَ: خُذْ بَعْضَ مَالِهَا وَفَارِقْهَا. قَالَ: وَيَصْلُحُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَصْدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ، وَهُمَا بِيَدِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا. فَفَعَلَ). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا عِنْدَ بَابِهِ بِالْغَلَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَنَاحَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍلَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ!! لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: وَهَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَذْكُرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنَّ تَذْكُرَ!. فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا أَعْطَانِيهِ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (خُذْ مِنْهَا. فَأَخَذَ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِهَا). حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَنَشَزَتْ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَقَالَ: (يَاجَمِيلَةُ مَا كَرِهْتِ مِنْ ثَابِتٍ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كَرِهْتُ مِنْهُ دِينًا وَلَا خُلُقًا، إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ دَمَامَتَهُ! فَقَالَ لَهَا: أَتَرُدِّينَ الْحَدِيقَةَ “ قَالَتْ: نَعَمْ! فَرَدَّتِ الْحَدِيقَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا- أَعْنِي فِي شَأْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَزَوْجَتِهِ هَذِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَفِي حَبِيبَةَ قَالَ: وَكَانَتِ اشْتَكَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ! فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَيَطِيبُ لِي ذَلِكَ؟ قَالَ: “ نَعَمْ “، قَالَ ثَابِتٌ: قَدْ فَعَلْتُ فنَزَلَتْ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}. وَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى “ الْخَوْفِ “ مِنْهُمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَظْهَرَ مِنَ الْمَرْأَةِ سُوءُ الْخُلُقِ وَالْعَشَرَةِ لِزَوْجِهَا، فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهَا لَهُ، حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَعْطَتْهُ مِنْ فِدْيَةٍ عَلَى فِرَاقِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، إِلَّا أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ وَسُوءُ الْخُلُقِ مِنْ قِبَلِهَا، فَتَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْكَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ جَرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَحُلُّ الْفِدَاءَ حَتَّى يَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ: “ لَا يَحِلُّ لَهُ “، حَتَّى تَقُولَ: “ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أَغْتَسِلَ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ". حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إِذَا كَانَ الشَّرُّ مِنْ قِبَلِهَا حَلَّ الْفِدَاءُ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا كَانَ سُوءُ الْخُلُقِ وَسُوءُ الْعَشْرَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَذَاكَ يُحِلُّ خَلْعَهَا. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصْلِحُ الْخَلْعُ، حَتَّى يَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانَ الْقَنَّادُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَامِرٍ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ! قَالَ: مَا هَذَا- وَحَرَّكَ يَدَهُ- “ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا “!! إِذَا كَرِهَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَلْيَأْخُذْهُ وَلِيَتْرُكْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: يَعِظُهَا، فَإِنِ انْتَهَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، فَإِنِ انْتَهَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنِ انْتَهَتْ وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهَا إِلَى السُّلْطَانِ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَيَقُولُ الْحَكَمُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهَا: تَفْعَلُ بِهَا كَذَا وَتَفْعَلُ بِهَا كَذَا! وَيَقُولُ الْحَكَمُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ: تَفْعَلُ بِهِ كَذَا وَتَفْعَلُ بِهِ كَذَا. فَأَيُّهُمَا كَانَ أَظْلَمَ رَدَّهُ السُّلْطَانُ وَأَخَذَ فَوْقَ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاشِزًا أَمْرَهُ أَنْ يَخْلَعَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. قَالَ: إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ رَاضِيَةً مُغْتَبِطَةً مُطِيعَةً، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا، حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ. فَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ، فَمَا أَخَذَ مِنْهَا فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا كَانَ النُّشُوزُ وَالْبُغْضُ وَالظُّلْمُ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا افْتَدَتْ بِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ إِلَّا أَنْ تُؤْتَى ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ يُضَارُّهَا حَتَّى تَخْتَلِعَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَلَكِنْ إِذَا نَشَزَتْ فَأَظْهَرَتْ لَهُ الْبَغْضَاءَ، وَأَسَاءَتْ عِشْرَتَهُ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ خَلْعُهَا. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، قَالَ: الصَّدَاقُ “ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ “- وَحُدُودُ اللَّهِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ نَاشِزَةً، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الزَّوْجَ أَنْ يَعِظَهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، وَالْهِجْرَانُ أَلَّا يُجَامِعَهَا وَلَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، وَيُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ وَلَا يُكَلِّمُهَا، فَإِنْ أَبَتْ غَلَّظَ عَلَيْهَا الْقَوْلَ بِالشَّتِيمَةِ لِتَرْجِعَ إِلَى طَاعَتِهِ، فَإِنْ أَبَتْ فَالضَّرْبُ ضَرْبَ غَيْرِ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَبَتْ إِلَّا جِمَاحًا فَقَدْ حَلَّ لَهُ مِنْهَا الْفِدْيَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ “ الْخَوْفُ “ مِنْ ذَلِكَ: أَلَّا تَبَرَّ لَهُ قَسَمًا، وَلَا تُطِيعَ لَهُ أَمْرًا، وَتَقُولُ: لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لَهُ عِنْدَهُمْ أَخَذَ مَا آتَاهَا عَلَى فِرَاقِهِ إِيَّاهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا قَالَتْ: “ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا “، فَحِينَئِذٍ حَلَّ الْخَلْعُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِقَالَ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُقِيمُ حَدَّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ “، فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَالُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ قُلْتُ: مَتَى يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ مَالِ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: إِذَا أَظْهَرَتْ بُغْضَهُ وَقَالَتْ: “ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرً". حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَحِلُّ الْفِدْيَةُ حَتَّى تَقُولَ: “ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ". وَقَالَ: إِنَّ الزَّانِيَ يَزْنِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ !. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي النَّاشِزِ قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ رُبَّمَا عَصَتْ زَوْجَهَا، ثُمَّ أَطَاعَتْهُ، وَلَكِنْ إِذَا عَصَتْهُ فَلَمْ تَبَرَّ قَسَمَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَحِلُّ الْفِدْيَةُ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا “ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ “ فَإِذَا لَمْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ الْفِدَاءُ، وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ: “ وَاللَّهِ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا، وَلَا أُكْرِمُ لَكَ نَفْسًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ “، فَهُوَ حُدُودُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ الْفِدَاءُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُطَلِّقَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ مِقْسَمٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُفْحِشْنَ} [سُورَةَ النِّسَاءِ: 19]، فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِذَا عَصَتْكَ وَآذَتْكَ، فَقَدْ حَلَّ لَكَ مَا أَخَذَتْ مِنْهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا}، قَالَ: الْخَلْعُ، قَالَ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ إِلَّا أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ: “ لَا أَبَرُّ قِسْمَهُ وَلَا أُطِيعُ أَمْرَهُ “، فَيَقْبَلُهُ خِيفَةَ أَنْ يُسِيءَ إِلَيْهَا إِنْ أَمْسَكَهَا، وَيَتَعَدَّى الْحَقَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ “ الْخَوْفُ “ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَبْتَدِئَ لَهُ بِلِسَانِهَا قَوْلًا أَنَّهَا لَهُ كَارِهَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: يَحِلُّ الْخَلْعُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: “ إِنِّي لِأَكْرَهُكَ، وَمَا أُحِبُّكَ، وَلَقَدْ خَشِيَتْ أَنْ أَنَامَ فِي جَنْبِكَ وَلَا أُؤَدِّيَ حَقَّكَ “- وَتُطَيِّبُ نَفْسًا بِالْخَلْعِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ أَخْذَ الْفِدْيَةِ، أَنْ يَكُونَ خَوْفٌ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا لِكَرَاهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صُحْبَةَ الْآخَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ دَاوُدُ قَالَ: قَالَ عَامِرٌ: أَحَلَّ لَهُ مَالُهَا بِنُشُوزِهِ وَنُشُوزِهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ طَاوُسٌ: يَحِلُّ لَهُ الْفِدَاءُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَوْلَ السُّفَهَاءِ: “ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا “، وَلَكِنْ يَحِلُّ لَهُ الْفِدَاءُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} قَالَ: فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَا يَحِلُّ الْخَلْعُ حَتَّى يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْعِشْرَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَخْذُ الْفِدْيَةِ مِنَ امْرَأَتِهِ عَلَى فِرَاقِهِ إِيَّاهَا، حَتَّى يَكُونَ خَوْفَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ- فِي تَفْرِيطِهِ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ- مِنْهُمَا جَمِيعًا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُمَا; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَبَاحَ لِلزَّوْجِ أَخْذَ الْفِدْيَةِ مِنَ امْرَأَتِهِ، عِنْدَ خَوْفِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا عَلَى الرَّجُلِ قَبُولُ الْفِدْيَةِ مِنْهَا إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا دُونَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ لَهَا مِثْلُ الَّذِي يَكُونُ مِنْهَا؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَنْتَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي نُشُوزِهَا عَلَيْهِ دَاعِيَةٌ لَهُ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي وَاجِبِهَا وَمَجَازَاتِهَا بِسُوءِ فِعْلِهَا بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُوجِبُ لِلْمُسْلِمِينَ الْخَوْفَ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَاجِبِ حَقِّ صَاحِبِهِ قَدْ وُجِدَ، وَسُوءُ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ قَدْ ظَهَرَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ هُنَاكَ لِلْخَوْفِ مَوْضِعٌ، إِذْ كَانَ الْمُخَوِّفُ قَدْ وُجِدَ. وَإِنَّمَا يُخَافُ وُقُوعُ الشَّيْءِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ حُدُوثِهِ فَلَا وَجْهَ لِلْخَوْفِ مِنْهُ وَلَا الزِّيَادَةِ فِي مَكْرُوهِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ“- الَّتِي إِذَا خِيفَ مِنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ أَلَّا يُقِيمَاهَا، حَلَّتْ لَهُ الْفِدْيَةُ مِنْ أَجْلِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمَا تَضْيِيعَهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَاسْتِخْفَافُ الْمَرْأَةِ بِحَقِّ زَوْجِهَا وَسُوءُ طَاعَتِهَا إِيَّاهُ وَأَذَاهَا لَهُ بِالْكَلَامِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} قَالَ: هُوَ تَرْكُهَا إِقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ، وَاسْتِخْفَافُهَا بِحَقِّ زَوْجِهَا، وَسُوءُ خُلُقِهَا، فَتَقُولُ لَهُ: “ وَاللَّهِ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا، وَلَا أَطَأُ لَكَ مَضْجَعًا، وَلَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا “، فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مِنْهَا الْفِدْيَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} قَالَ: إِذَا قَالَتْ: “ لَا اغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ “، حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: يَحِلُّ الْخَلْعُ حِينَ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَأَدَاءَ حُدُودِ اللَّهِ فِي الْعِشْرَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُطِيعَا اللَّهَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَامِرٍ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} قَالَ: أَلَّا يُطِيعَا اللَّهَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحُدُودُ: الطَّاعَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَرَائِضِ، فِيمَا أَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، مِنَ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالصُّحْبَةِ بِالْجَمِيلِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِوَالزُّهْرِيِّ لِأَنَّ مِنَ الْوَاجِبِ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ- إِطَاعَتَهُ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ فِيهِ، وَأَلَّا تُؤْذِيَهُ بِقَوْلٍ، وَلَا تُؤْذِيَهُ بِقَوْلٍ تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِذَا دَعَاهَا لِحَاجَتِهِ، فَإِذَا خَالَفَتْ مَا أَمْرَهَا اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ قَدْ ضَيَّعَتْ حُدُودَ اللَّهِ الَّتِي أَمَرَهَا بِإِقَامَتِهَا. وَأَمَّا مَعْنَى “ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ “، فَإِنَّهُ الْعَمَلُ بِهَا، وَالْمُخَالَفَةُ عَلَيْهَا، وَتَرْكُ تَضْيِيعِهَا- وَقَدْ بَيَّنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَلَّا يُقِيمَ الزَّوْجَانِ مَا حَدَّ اللَّهُ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقٍّ، وَأَلْزَمَهُ لَهُ مِنْ فَرْضٍ، وَخَشِيتُمْ عَلَيْهِمَا تَضْيِيعَ فَرِضِ اللَّهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ فِي ذَلِكَ فَلَا جُنَاحَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِيمَا أَعْطَتْ هَذِهِ عَلَى فِرَاقِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا وَلَا عَلَى هَذَا فِيمَا أُخِذَ مِنْهَا مِنَ الْجَعْلِ وَالْعِوَضِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَرِجَةٌ لَوْ كَانَ الضِّرَارُ مِنَ الرَّجُلِ بِهَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ نَفْسَهَا، فَيَكُونُ “ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا “ فِيمَا أَعْطَتْهُ مِنَ الْفِدْيَةِ عَلَى فِرَاقِهَا إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا. قِيلَ: لَوْ عَلِمَتْ فِي حَالِ ضِرَارِهِ بِهَا لِيَأْخُذَ مِنْهَا مَا آتَاهَا أَنَّ ضِرَارَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِيَأْخُذَ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَخَذَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهَا، ثُمَّ قَدَرَتْ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ إِعْطَائِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي نَفْسٍ، وَلَا دِينٍ، وَلَا حَقٍّ عَلَيْهَا فِي ذَهَابِ حَقٍّ لَهَا- لِمَا حَلَّ لَهَا إِعْطَاؤُهُ ذَلِكَ، إِلَّا عَلَى وَجْهِ طَيِّبِ النَّفْسِ مِنْهَا بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهُ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا. لِأَنَّهَا مَتَى أَعْطَتْهُ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا، وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى مَنْعِهِ ذَلِكَ بِمَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي نَفْسٍ، وَلَا دِينٍ، وَلَا فِي حَقٍّ لَهَا تَخَافُ ذَهَابَهُ، فَقَدْ شَارَكَتْهُ فِي الْإِثْمِ بِإِعْطَائِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَعْطَتْهُ عَلَيْهِ. فَلِذَلِكَ وَضَعَ عَنْهَا الْجُنَاحَ إِذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، وَأَعْطَتْهُ مَا أَعْطَتْهُ مِنَ الْفِدْيَةِ بِطِيبِ نَفْسٍ، ابْتِغَاءً مِنْهَا بِذَلِكَ سَلَامَتَهَا وَسَلَامَةَ صَاحِبِهَا مِنَ الْوِزْرِ وَالْمَأْثَمِ. وَهِيَ إِذَا أَعْطَتْهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَولَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْجُنَاحِ وَالْحَرَج، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: “ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا “ فَوَضَعَ الْحَرَجَ عَنْهَا فِيمَا أَعْطَتْهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الْفِدْيَةِ عَلَى فِرَاقِهِ إِيَّاهَا، وَعَنْهُ فِيمَا قَبَضَ مِنْهَا إِذْ كَانَتْ مُعْطِيَةً عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا، وَكَانَ قَابِضًا مِنْهَا مَا أَعْطَتْهُ مِنْ غَيْرِ ضِرَارًٍ، بَلْ طَلَبَ السَّلَامَةِ لِنَفْسِهِ وَلَهَا فِي أَدْيَانِهِمَا وَحَذَارَ الْأَوْزَارِ وَالْمَأْثَمِ. وَقَدْ يَتَّجِهُ قَوْلُهُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} وَجْهًا آخَرَ مِنَ التَّأْوِيلِ وَهُوَ أَنَّهَا لَوْ بَذَلَتْ مَا بَذَلَتْ مِنَ الْفِدْيَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَذَلِكَ لِكَرَاهَتِهَا أَخْلَاقَ زَوْجِهَا، أَوْ دَمَامَةِ خُلُقِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْرَهُهَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ- وَلَكِنْ عَلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا بِوَجْهِهَا إِلَى آخَرَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ وَمَا لَا يَحِلُّ لَهَا- كَانَ حَرَامًا عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَ عَلَى مَسْأَلَتِهَا إِيَّاهُ فِرَاقَهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ شَيْئًا، لِأَنَّ مَسْأَلَتَهَا إِيَّاهُ الْفُرْقَةَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مَعْصِيَةٌ مِنْهَا. وَتِلْكَ هِيَ الْمُخْتَلِعَةُ- إِنْ خُولِعَتْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ- الَّتِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمَّاهَا “ مُنَافِقَةً “ كَمَا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا رَائِحَةَ الْجَنَّة). وَقَالَ: (الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَات). حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُزَاحِمُ بْنُ دُوَادَ بْنِ عَلِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَات). حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنِ الْحَسَنِعَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (إِنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ الْمُنْتَزِعَاتِ هُنَّ الْمُنَافِقَات). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قَلَابَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ ثَوْبَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قَلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحْبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. فَإِذَا كَانَ مِنْ وُجُوهِافْتِدَاءِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَامَا تَكُونُ بِهِ حَرِجَةً، وَعَلَيْهَا فِي افْتِدَائِهَا نَفْسَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَرَجِ وَالْجُنَاحِ وَكَانَ مِنْ وُجُوهِهِ مَا يَكُونُ الْحَرَجُ وَالْجُنَاحِ فِيهِ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهِ حَرَجٌ وَلَا جُنَاحَ قِيلَ فِي الْوَجْهِ: الَّذِي لَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِيهِ لَا جُنَاحَ، إِذْ كَانَ فِيمَا حَاوَلَا وَقَصَدَا مِنَ افْتِرَاقِهِمَا بِالْجَعْلِ الَّذِي بَذَلَتْهُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُمَا، وَذَلِكَ، أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِمَقَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: فَلَا جُنَاحَ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ ذَكَرَا جَمِيعًا كَمَا قَالَ فِي [سُورَةِ الرَّحْمَنِ]: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سُورَةَ الرَّحْمَنِ: 22] وَهُمَا مِنَ الْمِلْحِ لَا مِنَ الْعَذْبِ، قَالَ: وَمِثْلُهُ. {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} [سُورَةَ الْكَهْفِ: 61]، وَإِنَّمَا النَّاسِي صَاحِبُ مُوسَى وَحْدَهُ. قَالَ: وَمِثِلُهُ فِي الْكَلَامِ أَنْ تَقُولَ: “ عِنْدِي دَابَّتَانِ أَرْكَبُهُمَا وَأَسْتَقِي عَلَيْهِمَا “ وَإِنَّمَا تَرْكَبُ إِحْدَاهُمَا. وَتَسْتَقِي عَلَى الْأُخْرَى، وَهَذَا مِنْ سِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِسِعَتِهَا فِي الْكَلَامِ. قَالُوا: وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَشْتَرِكَا جَمِيعًا فِي أَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمَا جُنَاحٌ، إِذْ كَانَتْ تُعْطِي مَا قَدْ نُفِيَ عَنِ الزَّوْجِ فِيهِ الْإِثْمُ. اشْتَرَكَتْ فِيهِ، لِأَنَّهَا إِذَا أَعْطَتْ مَا يَطْرَحُ فِيهِ الْمَأْثَمَ، احْتَاجَتْ إِلَى مَثَلِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَمْ يَصُبَّ الصَّوَابُ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا فِي احْتِجَاجِهِ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ صَوَابِهِ، وَسَنُبَيِّنُ وَجْهَ قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} فِي مَوْضِعِهِ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا خَطَّأْنَا قَوْلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ وَضْعِهِ الْحَرِجِ عَنِ الزَّوْجَيْنِ إِذَا افْتَدَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مَا أَذِنَ، وَأَخْبَرَ عَنِ الْبَحْرِينِ أَنَّ مِنْهُمَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ، فَأَضَافَ إِلَى اثْنَيْنِ. فَلَوْ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: “ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ أَحَدِهِمَا، فِيمَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِيلًا أَنْ يَكُونَ عَنْهُمَا “، جَازَ فِي كُلِّ خَبَرٍ كَانَ عَنِ اثْنَيْنِ- غَيْرَ مُسْتَحِيلَةٍ صِحَّتُهُ أَنْ يَكُونَ عَنْهُمَا- أَنْ يُقَالَ: “ إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ أَحَدِهِمَا". وَذَلِكَ قَلْبُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَالْمَعْرُوفِ مِنَ اسْتِعْمَالِهِمْ فِي مُخَاطِبَاتِهِمْ، وَغَيْرُ جَائِزٍ حَمْلُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَى الشَّوَاذِّ مِنَ الْكَلَامِ وَلَهُ فِي الْمَفْهُومِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ وَجْهٌ صَحِيحٌ مَوْجُودٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أَمَعْنِيٌ بِهِ: أَنَّهُمَا مَوْضُوعٌ عَنْهُمَا الْجُنَاحُ فِي كُلِّ مَا افْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ شَيْءٍ أَمْ فِي بَعْضِهِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} مِنْ صَدَاقِهَا الَّذِي كَانَ آتَاهَا زَوْجُهَا الَّذِي تَخْتَلِعُ مِنْهُ. وَاحْتَجُّوا فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مَرْدُودٌ عَلَى أَوَّلِهَا، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ. قَالُوا: فَالَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ –عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ- هُوَ الَّذِي كَانَ حَظَرَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ حَالِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقِصَّةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمَرَ امْرَأَتَهُ إِذْ نَشَزَتْ عَلَيْهِ، أَنْ تَرُدَّ مَا كَانَ ثَابِتٌ أَصْدَقَهَا، وَأَنَّهَا عَرَضَتِ الزِّيَادَةَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إِلَيْهَا، وَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} مِنْهُ، يَقُولُ: مِنَ الْمَهْرِ- وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا: “ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِنْهُ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَالزُّهْرِيَّ يَقُولُونَ فِي النَّاشِزِ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا مَا سَاقَ إِلَيْهَا. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: النَّاشِزُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا مَا سَاقَ إِلَيْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخَلْعِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا، وَكَانَ يَرَى أَنْ يَأْخُذَ دُونَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا- يَعْنِي الْمُخْتَلِعَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثً عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يَزْدَادَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَطَرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ- أَوْ أَنَّ الْحَسَنَ سُئِلَ- عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْلَعَهَا، هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَرْبَعَمِائَةٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا !. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَلَّا يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يَدَعَ لَهَا مِنْهُ مَا يُعِيشُهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّازِقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمُفْتَدِيَةِ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِنْ قَلِيلِ مَا تَمْلِكُهُ وَكَثِيرِهِ. وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِعُمُومِ الْآيَةِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ إِحَالَةُ ظَاهِرٍ عَامٍّ- إِلَى بَاطِنٍ خَاصٍّ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. قَالُوا: وَلَا حُجَّةَ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا بِأَنَّ الْآيَةَ مُرَادٌ بِهَا بَعْضَ الْفِدْيَةِ دُونَ بَعْضٍ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَهِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى سُمْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ نَاشِزٍ، فَأَمَرَ بِهَا إِلَى بَيْتٍ كَثِيرِ الزِّبْلِ ثَلَاثًا، ثُمَّ دَعَا بِهَا فَقَالَ: كَيْفَ وَجَدَتْ؟ قَالَتْ: مَا وَجَدْتُ رَاحَةً مُنْذُ كُنْتُ عِنْدَهُ إِلَّا هَذِهِ اللَّيَالِي الَّتِي حَبَسْتَنِي! فَقَالَ لِزَوْجِهَا: اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى سُمْرَةَ قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً نَاشِزًا فَوَعْظَهَا، فَلَمْ تَقْبَلْ بِخَيْرٍ، فَحَبَسَهَا فِي بَيْتٍ كَثِيرِ الزِّبْلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَشَكَتْ زَوْجَهَا، فَقَالَ: إِنَّهَا نَاشِزٌ؟ فَأَبَاتَهَا فِي بَيْتِ الزِّبْلٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهَا: كَيْفَ وَجَدْتِ مَكَانَكِ! قَالَتْ: مَا كُنْتُ عِنْدَهُ لَيْلَةً أَقَرُّ لِعَيْنِي مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ! فَقَالَ: خُذْ وَلَوْ عِقَاصَهَا. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ: أَنْ مُوَلَّاةً لِصَفِيَّةَ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ إِلَّا مِنْ ثِيَابِهَا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَا حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: ذُكِرَ لِابْنِ عُمَرَ مُوَلَّاةً لَهُ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ مَالٍ لَهَا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فِي الْخَلْعِ: خُذْ مَا دُونَ عِقَاصِ شَعْرِهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَفْتَدِيَ بِبَعْضِ مَالِهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الْخَلْعُ مَا دُونُ عِقَاصِ الرَّأْسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: خُذْ مِنْهَا وَلَوْ عِقَاصَهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الْخَلْعُ بِمَا دَوَّنَ عِقَاصِ الرَّأْسِ، وَقَدْ تَفْتَدِي الْمَرْأَةُ بِبَعْضِ مَالِهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ: أَنّ َالرَّبِيعَ ابْنَةَ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: كَانَ لِي زَوْجٌ يَقِلُّ عَلَيَّ الْخَيْرَ إِذَا حَضَرَنِي، وَيَحْرِمُنِي إِذَا غَابَ. قَالَتْ: فَكَانَتْ مِنِّي زَلَّةٌ يَوْمًا، فَقُلْتُ: أَخْتَلِعُ مِنْكَ بِكُلِّ شَيْءٍ أَمْلِكُهُ! قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَفَعَلْتُ قَالَتْ: فَخَاصَمَ عَمِّي مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَ الْخَلْعَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِي فَمَا دُونَهُ- أَوْ قَالَتْ: مَا دُونَ عِقَاصِ الرَّأْسِ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِمَا خَلَعَهَا بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَوْ عَقَصَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيَأْخُذَ مِنْهَا حَتَّى قُرْطَهَا- يَعْنِي فِي الْخَلْعِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍلِصَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} قَالَ: يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ: إِنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، وَيَتَأَوَّلُ: {وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} قَالَ رَجَاءٌ: فَإِنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ كَانَ يُرَخِّصُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، وَيَتَأَوَّلُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [سُورَةَ النِّسَاءِ: 20]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ: سَأَلْتُ بَكْرًا عَنِ الْمُخْتَلِعَةِ أَيَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالَ لَا! وَقَرَأَ: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ: سَأَلْتُ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ تُرِيدُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ الْخَلْعَ، قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا. قُلْتُ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}؟ قَالَ: هَذِهِ نُسِخَتْ. قُلْتُ: فَأَنَّى حَفِظْتَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ فِي [سُورَةِ النِّسَاءِ] قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النِّسَاءِ: 20] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِذَا خِيفَ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ- عَلَى سَبِيلِ مَا قَدَّمْنَا الْبَيَانَ عَنْهُ- فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا، مِنْ قَلِيلِ مَا تَمْلِكُهُ وَكَثِيرِهِ مِمَّا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمْلِكُوهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مِلْكِهَا. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَخُصَّ مَا أَبَاحَ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَدٍّ لَا يُجَاوَزُ، بَلْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا افْتَدَتْ بِهِ. غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ لِلرَّجُلِ اسْتِحْبَابًا لَا تَحْتِيمًا إِذَا تَبَيَّنَ مِنَ امْرَأَتِهِ أَنَّ افْتِدَاءَهَا مِنْهُ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ، بَلْ خَوْفًا مِنْهَا عَلَى دِينِهَا أَنْ يُفَارِقَهَا بِغَيْرِ فِدْيَةٍ وَلَا جُعْلٍ. فَإِنْ شَحَّتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ، فَلَا يُبَلِّغُ بِمَا يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعَ مَا آتَاهَا. فَأَمَّا مَا قَالَهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ الْآيَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، فَنَتَشَاغَلُ بِالْإِبَانَةِ عَنْ خَطَئِهِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ الْجَمِيعِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى تَخْطِئَتِهِ وَإِجَازَةِ أَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنَ الْمُفْتَدِيَةِ نَفْسِهَا لِزَوْجِهَا، وَفِي ذَلِكَ الْكِفَايَةُ عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى خَطَئِهِ بِغَيْرِهِ. وَالْآخَرُ: أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي [سُورَةِ النِّسَاءِ] إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا آتَاهَا، بِأَنْ أَرَادَ الرَّجُلُ اسْتِبْدَالَ زَوَّجٍ بِزَوْجٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ خَوْفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمَا مَقَامَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَلَا نُشُوزَ مِنَ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَخْذَ الزَّوْجِ مِنَ امْرَأَتِهِ مَالًا عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ لَهَا وَالْإِضْرَارِ بِهَا حَتَّى تُعْطِيَهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا عَلَى فِرَاقِهَا حَرَامٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَبَّةَ فِضَّةٍ فَصَاعِدًا. وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ] فَإِنَّهَا إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى إِبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُ أَخْذَ الْفِدْيَةِ مِنْهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِنُشُوزِ الْمَرْأَةِ، وَطَلَبِهَا فِرَاقَ الرَّجُلِ، وَرَغْبَتِهِ فِيهَا. فَالْأَمْرُ الَّذِي أُذِنَ بِهِ لِلزَّوْجِ فِي أَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ فِي “ سُورَةِ الْبَقَرَةِ “ ضِدَّ الْأَمْرِ الَّذِي نَهَى مِنْ أَجْلِهِ عَنْ أَخْذِ الْفِدْيَةِ فِي “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ كَمَا الْحَظْرُ فِي “ سُورَةِ النِّسَاءِ “، غَيْرُ الْإِطْلَاقِ وَالْإِبَاحَةِ فِي “ سُورَةِ الْبَقَرَةِ". فَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْحُكْمَيْنِ أَنْ يُقَالَ أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ إِذَا اتَّفَقَتْ مَعَانِي الْمَحْكُومِ فِيهِ، ثُمَّ خُولِفَ بَيْنَ الْأَحْكَامِ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَزْمِنَةِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْمَحْكُومِ فِيهِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ، فَذَلِكَ هُوَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَالْمَفْهُومُ فِي الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ، وَهُوَ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ بِمَعْزِلٍ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِنْهُ- يَعْنِي بِذَلِكَ: مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ- فَنَظِيرُ قَوْلِ بَكْرٍ فِي دَعْوَاهُ نَسْخَ قَوْلُهُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} بِقَوْلِهِ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} لِادِّعَائِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مَوْجُودًا فِي مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ رَسْمُهُ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: قَدْ قَالَ مَنْ قَدْ عَلِمَتْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ: إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِنْ مِلْكِهَا فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ تُبَيِّنُ بِهَا مِنْهُمْ غَيْرِ الدَّعْوَى؟ فَقَدِ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَادَّعَيْتُ فِيهِ خُصُوصًا! ثُمَّ يَعْكِسُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَدِلَّةَ بِالشَّوَاهِدِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَتْهُ الْمُفْتَدِيَةُ، الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ لَهَا الِافْتِدَاءَ- فِي كِتَابِنَا (كِتَابِ اللَّطِيفِ) فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: تِلْكَ مَعَالِمُ فُصُولِهِ، بَيْنَ مَا أَحَلَّ لَكُمْ، وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَلَا تَعْتَدُوا مَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي بَيَّنَهَا وَفَصَّلَهَا لَكُمْ مِنَ الْحَلَالِ، إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، فَتُجَاوِزُوا طَاعَتَهُ إِلَى مَعْصِيَتِهِ. وَإِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا “، هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي بَيَّنْتُ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي مَضَتْ: مِنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ الْوَثَنِيَّاتِ، وَإِنْكَاحِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسَلَّمَاتِ، وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ، وَمَا قَدْ بَيَّنَ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: “ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ “، مِمَّا أَحَلَّ لِعِبَادِهِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَمَرَ وَنَهَى. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ-الَّتِي بَيَّنْتُ لَكُمْ حَلَالَهَا مِنْ حَرَامِهَا- “ حُدُودِي “ يَعْنِي بِهِ: مَعَالِمُ فُصُولِ مَا بَيْنَ طَاعَتِي وَمَعْصِيَتِي، فَلَا تَعْتَدُوهَا يَقُولُ: فَلَا تَتَجَاوَزُوا مَا أَحْلَلْتُهُ لَكُمْ إِلَى مَا حَرَّمَتُهُ عَلَيْكُمْ، وَمَا أَمَرَتْكُمْ بِهِ إِلَى مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَلَا طَاعَتِي إِلَى مَعْصِيَتِي، فَإِنَّ مَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ يَعْنِي مَنْ تَخَطَّاهُ وَتُجَاوَزَهُ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ أَوْ نَهَيْتُهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الظَّالِمُ- وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، وَوَضَعَ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى “ الظُّلْمِ “ وَأَصْلِهِ بِشَوَاهِدِهِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَإِنْ خَالَفَتْ أَلْفَاظُ تَأْوِيلِهِمْ أَلْفَاظَ تَأْوِيلِنَا، غَيْرَ أَنَّ مَعْنَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ [يُؤَوَّلُ] إِلَى مَعْنَى مَا قُلْنَا فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} يَعْنِي بِالْحُدُودِ: الطَّاعَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} يَقُولُ: مَنْ طَلَّقَ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ فَقَدِ اعْتَدَى وَظَلَمَ نَفْسَهُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ عَنِ الضَّحَّاكِ لَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ ذِكْرٌ، فَيُقَالُ: “ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ “، وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ الْعَدَدِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُطْلَقِ فِيهِ الرَّجْعَةُ، وَالَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ الرَّجْعَةُ دُونَ ذِكْرِ الْبَيَانِ عَنِ الطَّلَاقِ لِلْعِدَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنْطَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ التَطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَبَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمَا: “ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ “ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ لَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ التَطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ- يَعْنِي بِهِ غَيْرَ الْمُطْلَقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا، فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَنْقُضِ الْعِدَّةُ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، فَإِنِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ رَاجَعَهَا، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ، وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، وَصَارَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ طَلَاقَ أَهْلِهِ نَظَرَ حَيْضَتَهَا، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي قَبْلِ عِدَّتِهَا عِنْدَ شَاهِدِي عَدْلٍ، فَإِنْ بَدَا لَهُ مُرَاجَعَتُهَا رَاجَعَهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا وَإِنْ تَرْكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ بَدَا لَهُ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا نَظَرَ حَيْضَتَهَا، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً أُخْرَى قَبْلَ عِدَّتِهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ مُرَاجَعَتُهَا رَاجَعَهَا، فَكَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ بَدَا لَهُ طَلَاقُهَا طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ عِنْدَ طُهْرِهَا، فَهَذِهِ الثَّالِثَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} يَقُولُ: إِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: إِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةَ، قَالَ: وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: “ فَإِنْ طَلَّقَهَا “-يَعْنِي بِالثَّالِثَةِ- فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا}- بَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ- {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ دَلَّ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَا يُلْزِمُ مُسَرِّحَ امْرَأَتِهِ بِإِحْسَانٍ بَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمَا: “ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ “ قَالُوا: وَإِنَّمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ عَنْ حُكْمِ قَوْلِهِ: “ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ “ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ سَرَّحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْمُسَرَّحَةُ كَذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} قَالَ: عَادَ إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ- أَوْ سُئِلَ فَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ قَالَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، أَنَّ الثَّالِثَةَ إِنَّمَا هِيَ قَوْلُهُ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان}. فَإِذْ كَانَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ هُوَ الثَّالِثَةُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَا مِنْ بَعْدُ حَتَّى تُنْكَحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ بِمَعْزِلٍ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ عَنِ الَّذِي يَحِلُّ لِلْمُسَرِّحِ بِالْإِحْسَانِ إِنْ سَرَّحَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ التَطْلِيقَتَيْنِ، وَالَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَالْحَالُ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا فِيهَا وَإِعْلَامُ عِبَادِهِ أَنَّ بَعْدَ التَّسْرِيحِ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَا رَجْعَةَ لِلرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيُّ النِّكَاحَيْنِ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ جِمَاعٌ أَمُ النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ تَزْوِيجٍ؟ قِيلَ: كِلَاهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ نَكَحَتْ رَجُلًا نِكَاحَ تَزْوِيجٍ، ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ نَاكَحَهَا وَلَمْ يُجَامِعْهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ إِنَّ وَطِئَهَا وَاطِئٌ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ جَمِيعًا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} نِكَاحًا صَحِيحًا، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِيهِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا. فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّ ذِكْرَ الْجِمَاعِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْتَ؟ قِيلَ: الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ. وَبَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَلَوْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ بِعُقْبِ الطَّلَاقِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهَا نَاكِحَةٌ نِكَاحًا بِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهَا ذَلِكَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الْعِدَّةِ مَقْرُونًا بِقَوْلِهِ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِهِ ذِكْرُ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْإِفْضَاءِ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِوَحْيِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانُهُ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ لِعِبَادِهِ.
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ وَأَبُو هِشَامٌ الرِّفَاعِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَة قالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (لَا تَحِلُّ لِزُجِّهَا الْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَهَا وَتَذُوقَ عُسَيْلَتَه). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة َ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة قالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: (جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي، فَبِتُّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلَ هُدْبَةُ الثَّوْبِ، فَقَالَ لَهَا: تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ! لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك). حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة نحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ثَنَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَة زوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّامْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَة: أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَبِتُّ طَلَاقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ- إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخَرُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ- فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ!! فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ! لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ. قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي يَا أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَّا تَزْجُرَ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْأُدْمَيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَة أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّل). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَة قالَ: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (لَا حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ صَاحِبُه). حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَة (أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الْأَوَّل). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى اللَّيْثِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍعَنْ عَائِشَة عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، قَالَ: (إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَيَذُوقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُسَيْلَةَ صَاحِبِه). حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ الطِّلْحِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحَارِثِ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، قَالَ: (حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا). حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْحَارِثِ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا، فَتَتَزَوَّجُ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَيُرِيدُ الْأَوَّلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، قَالَ: (لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهَنَائِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَهَا آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَتَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: “ «لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا وَتَذُوقَ عُسَيْلَتَه). حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبُ بْنُ مَاهَانَ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ: (أَنّ َالْغُمَيْصَاءَ- أَوِ: الرُّمَيْصَاءَ- جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا، وَتَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا، قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا، فَزَعَمَ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ، وَلَكِنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَيْسَ لَكِ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ رَجُلٌ غَيْرُه). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ رَزِينٍ الْأَحْمُرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَلْبَتَّةَ، فَتَتَزَوَّجُ زَوْجًا آخَرَ، فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَتَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ؟ قَالَ: (لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ رَزِينٍ الْأَحْمَرِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَيَتَزَوَّجُهَا رَجُلٌ، فَأَغْلَقَ الْبَابَ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، أَتَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الْآخَرِ؟ قَالَ: “ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا). حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، أَيَتَزَوَّجُهَا الْأَوَّلُ؟ قَالَ: (لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَه).
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “ فَإِنْ طَلَّقَهَا “ فَإِنْ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ- الَّتِي بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِآخِرِ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ بَعْدَ مَا نَكَحَهَا مُطَلِّقُهَا الثَّانِي- زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ “ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا “ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: فَلَا حَرَجَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا هَذَا الثَّانِي مِنْ بَعْدِ بَيْنُونَتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَ نِكَاحِهِ إِيَّاهَا- وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَتْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ بِآخِرِ التَّطْلِيقَاتِ أَنْ يَتَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} يَقُولُ: إِذَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ، فَدَخَلَ الْآخَرُ بِهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِذَا طَلَّقَ الْآخَرُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فَقَدْ حَلَتْ لَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: (إِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَلَهُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ. قَالَ: وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: “ فَإِنْ طَلَّقَهَا “ يَعْنِي الثَّالِثَةَ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَيُدْخُلُ بِهَا “ فَإِنَّ طَلَّقَهَا “ هَذَا الْأَخِيرُ بَعْدَ مَا يَدْخُلُ بِهَا “ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا “ يُعْنَى الْأَوَّلَ “ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنْ رَجَوْا مَطْمَعًا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. وَإِقَامَتُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ: الْعَمَلُ بِهَا، وَحُدُودُ اللَّهِ: مَا أَمَرَّهُمَا بِهِ، وَأَوْجِبَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى “ الْحُدُودِ “، وَمَعْنَى “ إِقَامَةِ “ ذَلِكَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} مَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ إِنَّ {ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} إِنْ ظَنَّا أَنَّ نِكَاحَهُمَا عَلَى غَيْرِ دُلْسَةٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلَهُ “ إِنْ ظَنَّا “ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: إِنْ أَيْقَنَا. وَذَلِكَ مَا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يُوقِنُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ أَنَّهُمَا إِذَا تَرَاجَعَا أَقَامَا حُدُودَ اللَّهِ؟ وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: “ إِنْ ظَنَّا “ بِمَعْنَى طَمِعَا بِذَلِكَ وَرَجَوْا“ وَأَنَّ “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ أَنْ يُقِيمَا “، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ “ ظَنَّا “، وَ“ أَنْ “ الَّتِي فِي “ أَنْ يَتَرَاجَعَا “ جَعَلَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفَقْدِ الْخَافِضِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي أَنْ يَتَرَاجَعَا- فَلَمَّا حُذِفَتْ “ فِي “ الَّتِي كَانَتْ تُخَفِّضُهَا نَصْبَهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا تَرَاجُعَهُمَا. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَوْضِعُهُ خَفْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا خَافِضُهَا، وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا فَمَعْرُوفٌ مَوْضِعُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي بَيَّنَهَا لِعِبَادِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفِدْيَةِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ {حُدُودُ اللَّهِ}- مَعَالِمُ فُصُولِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ “ يُبَيِّنُهَا “ يُفَصِّلُهَا، فَيُمَيِّزُ بَيْنَهَا، وَيُعَرِّفُهُمْ أَحْكَامَهَا لِقَوْمٍ يُعَلِّمُونَهَا إِذَا بَيَّنَهَا اللَّهُ لَهُمْ، فَيَعْرِفُونَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيُصَدِّقُونَ بِهَا، وَيَعْمَلُونَ بِمَا أَوْدَعَهُمُ اللَّهُ مَنْ عَلِمَهُ، دُونَ الَّذِينَ قَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَقَضَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَلَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهَا تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. وَلِذَلِكَ خَصَّ الْقَوْمَ الَّذِي يَعْلَمُونَ بِالْبَيَانِ دُونَ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ، إِذْ كَانَ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِهِ قَدْ آيَسَ نَبِيُهُ مُحَمَّدً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَصْدِيقِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَيَّنَهَا لَهُمْ مِنْ وَجْهِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَلُزُومِ الْعَمَلِ لَهُمْ بِهَا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لَهُمْ مِنْ وَجْهِ تَرْكِهِمُ الْإِقْرَارَ وَالتَّصْدِيقَ بِهِ.
|